• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المسنّون.. مخزون من المعرفة والعطاء

عمار كاظم

المسنّون.. مخزون من المعرفة والعطاء

قال تعالى في كتابه الكريم: (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (النحل/ 70). للكبار في الإسلام مكانتهم واحترامهم في حياتهم، ومن فروض إكرامهم، رعاية شؤونهم، وحفظ كرامتهم، وتأمين حاجاتهم المادّية والمعنوية، فذلك ما أوصى به ديننا الحنيف، وأمرنا الله تعالى به، نيلاً لرضاه.

كما يُطلق مصطلح «المسنّ» على كلِّ إنسان يتقدّم به العمر، وتُعرف هذه المرحلة باسم «مرحلة الشيخوخة»، التي تبدأ غالباً مع بداية سنّ التقاعد، أي في قرابة عمر الرابعة والستّين. كما أنّ حال المسنّ يختلف بين منطقة وأُخرى في العالم، وبين مسنّ وآخر، وفقاً للوضع الصحّي والعقلي، ومن الخطأ التعاطي مع هذه المرحلة كمرحلة ما قبل الموت، في وقت يجب أن نتعاطى معها بعيداً عن المفردات المسيّئة إليها، فيمكننا أن نطلق عليها اسم «العمر السعيد»، أو «العمر المديد»، لأنّ الإنسان في هذه المرحلة هو خزّان للمعلومات والذاكرة الحيّة.. فإنّ التراكمات المعرفية للمسنّ، تشبه إلى حدٍّ بعيد الخزانات الموجودة في باطن الأرض، التي تتفجر ينابيع رقراقة عندما تضيق بفعل الزمن؛ هذا هو حال المسنّ الذي يجمع المعرفة على مدى سنوات طويلة، والتي تتفجّر بدورها معرفةً وعطاءً للإنسان والمجتمع. ويجب الحذرمن إهمال الاستفادة من الخبرات المتراكمة للمسنّ، التي تمثّل ثروةً لا يجب إهمالها، بل علينا جميعاً العمل لاستثمارها، لأنّ مَن يهمل ماضيه، لا يمكن أن يستشرف المستقبل «انصفوهم قبل أن تفقدوهم».

إنّ المسنّ ينتظر ردّ الجميل من محيطه، نتيجة الضعف الذي يضرب مختلف نواحي حياته الصحّية والجسدية والنفسية، فيتكوّن لديه شعور بالنقص من كلّ الأشخاص الذين يحيطون به، وهذا يحتاج إلى تعويض واحتضان من قبل الجميع، فالمسنّ يتشابه مع الأطفال بنواحٍ كثيرة، وهو يحتاج إلى الحنان والعاطفة اللّذين لطالما أعطاهما في حياته، ويحتاج إلى أن يُعطى مثلما أعطى. وحتى يكون مستقبلنا في أمان، علينا أن نُشعِر مَن صنع حاضرنا بكلّ محبّة ومودّة واحترام. والدعوة تكون هنا إلى المحيطيْن العائلي والاجتماعي لإنصاف المسنّ قبل فقده، لأنّ التنكّر للماضي هو تنكّر للأصل وللقيم، وتنكّر للأهل والأجداد، ونحن امتداد لهم، فنكون بطريقة أو بأُخرى، كأنّنا نتنكّر لذواتنا.. فالمسنّون، كبارنا، وهم مَن غمرونا بوهج صدورهم صغاراً، وأسدلوا علينا فيض حبّهم شباباً، حقٌّ لهم أن نرعاهم وهم في خريف أيّامهم؛ أن نسدِّد لهم بعضاً من عطاءاتهم، ونحفظ كرامتهم، ونؤمِّن حاجتهم. فمن الواجب الاهتمام اهتماماً خاصاً بالمسنّين في المجتمع واحتضانهم، والتحدّث إليهم حول مشكلاتهم وقضاياهم وما يأملون من الحياة في خريف العمر.

وفي الختام، المسنّون هم الَّذين أشادوا، وبنوا، وأنجبوا، وربّوا، وسهروا، وناضلوا من أجل أن يكون لنا وطن نرتاح فيه، ونسند إليه رؤوسنا، وننتمي إليه، ونحفظه، وندافع عنه. هم المسنّون الّذين كانوا بالأمس شباباً يتمتّعون بالنشاط والحيويّة وراحة البال، منهم مَن قضى قبل أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة، ومنهم مَن بقي ليشهد الإنجازات التي صنعها بيده في هذه الحياة. وبقدر ما نهتمّ بالمسنّ ومَن سبقنا بالحياة، سيأتي مَن يهتمّ بنا وبحياتنا وبإنجازاتنا. فلا يسعنا إلّا أن نقول إنّنا جميعاً سائرون على هذا الدّرب.. فالمسنّون اليوم هم شباب الأمس، هم الماضي ونحن الحاضر، وحتى يكون مستقبلنا في أمان، علينا أن نُشعِر مَن صنع حاضرنا بكلّ محبّة ومودّة واحترام، حتى نفوز في الدُّنيا والآخرة.

ارسال التعليق

Top